تفاصيل الكتاب
إن النتيجة في الدليل الاستقرائي أكبر من مقدماتها، وليست مستنبطة فيها. فهو يقرر في المقدمات أن كمية محدودة من قطع الحديد لوحظ تمددها بالحرارة. ويخرج من ذلك
بنتيجة عامة، وهي أن كل حديد يتمدد بالحرارة. وهذا الانتقال من الخاص إلى العام لا يمكن تبريره على أساس مبدأ عدم التناقض كما رأينا في حالات الدليل الاستنباطي لأن افتراض صدق المقدمات وكذب النتيجة لا يستبطن تناقضا، فبالإمكان أن نفترض أن تلك الكمية المحدودة من القطع الحديدية قد تمددت بالحرارة، خطأ، دون أن تقع في تناقض منطقي، لأن هذا التعميم غير مستبطن في الافتراض الأول. وهكذا نعرف أن منهج الاستدلال في الدليل الاستنباطي منطقي، ويستمد مبرره من مبدأ عدم التناقض وخلافا لذلك منهج الاستدلال في الدليل الاستقرائي، فأنه لا يكفي لتبريره منطقيا مبدأ عدم التناقض، ولا يمكن على أساس هذا المبدأ تفسير القفزة التي يصطنعها الدليل الاستقرائي في سيره من الخاص إلى العام، وما تؤدي إليه من ثغرة في تكوينه المنطقي. ونحن في هذا الكتاب إذ نحاول إعادة بناء نظرية المعرفة على أساس معين، ودراسة نقاطها الاساسية في ضوء يختلف عما تقدم في كتاب فلسـ رف نتخذ من دراسة الدليل الاستقرائي ومعالجة تلك الثغرة فيه أساسا لمحاولتنا هذه.