تفاصيل الكتاب
يتميّز مفهوم العدالة كما تدركه المجتمعات الشرقيّة بتأثّره بالثقافة ضمن سياقات تاريخيّة
واجتماعيّة وفكريّة، ففي الوقت الذي تبحث المجتمعات الغربيّة عن قيم الحرية والمساواة بوصفهما الإطار
الأساس للعدالة، وتسعى لتمثيل ذلك من خلال النظام القضائيّ، وإعادة توزيع الثروات والمنافع من خلال
سياسات الرفاه الاجتماعيّ، والعدالة الجنائيّة، ونحوها، وفي هذا الفضاء تنتج أدبيّات العدالة من خلال
مركزيّة مصلحة الفرد وحقوقه، فإنّ العدالة في السياق الشرقيّ أكثر محاكاة للثقافة التقليديّة، فهي تبحث
عن حقوق الفرد من خلال ضمان التوازن الاجتماعيّ والمصلحة العامّة، والقيم الدينيّة التي تؤطر العدالة
من خلال الشرع ومبادئ الإنصاف والرحمة، وتحقيق السلام من خلال التقاليد والآداب المتوارثة. وبذلك
تتداخل العدالة وتحقيقها في بلداننا بالبنى التقليديّة المتوارثة على الرغم من أنّ العدالة في مفهومها الحديث
مؤسّسات وبنى عقلانية تفترض الفهم المعمق من قبل السلطات والأفراد.
إنّ العراق يمثّل نموذجًا من هذا التداخل في فهم العدالة، ففي الوقت الذي يبحث النظام السياسيّ
ويفترض وجود عمليّة متواصلة في التحديث والعصرنة، لا يخفى أنّ هذا البلد وريث أعمق ثقافة عرفتها
البشرية، وفي الوقت الذي تبذل جهود حثيثة ليكون النظام السياسيّ ممثلا حقيقيا للشعب، فإنّ الأزمات
والحوادث والتقلّبات جعلت من التطلّع للعدالة طريقا محفوفا بالتحدّيات تتطلّب توازنا دقيقا بين الأطر
القانونيّة والسياسات العامّة والمؤسّسات الناشئة والثقافة العامّة والاستحقاقات الدَوليّة والإرث القانونيّ
والإداريّ الموجود.